تدبر سورة الليل : الشيخ حسن السالمي

وبما كنتم تدرسون

هذا المقال هو ملخص لمجلس تدارس عن بعد تحت إشراف الشيخ حسن السالمي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ …مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)

ما علاقة سورة الليل بالسورة التي التي قبلها و هي سورة الشمس

ترتبط سورة الليل ارتباطا وثيقا بسورة الشمس و سنستنتج اسرار هذا الترابط مع تدارس معاني الآيات

يقول تعالى في سورة الشمس : قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّيٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّيٰهَاۖ * و في سورة الليل يبين الله سبحانه و تعالى طريقتي التزكية و التدسية

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)

ما الذي يجمع بين آيتي الليل و النهار و الذكر و الانثى

الليل و النهار آيتين من آيات الله سبحانه و تعالى. فهما تتكاملان و لا تتضادان. و الذكر و الأنثى أيضا يتكاملان و لا يستغني أحدهما عن الاخر

جاء ذكر الليل قبل النهار و الذكر قبل الانثى و في هذا الترتيب تناسق في أسبقية الوجود. فالاصل في الكون هو الظلمة اللتي تسبق النور الآية. . وخلق الذكر يسبق الانثى بخلق ادم قبل حواء

ما الرابط بين المقسم به و المسقم عليه

زمن السعي هو الليل و النهار و من الساعي؟ الذكر و الانثى أما السعي فهو العمل

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَيٰ وَاتَّقَيٰ (5)

لمن أعطى ؟

العطاء هنا جاء بصيغة مطلقة غير محددة فلمن نعطى؟

العطاء المتعارف عليه هو العطاء للغير و لكن أهملنا ما بين أضلعنا و ما في صدورنا و هي النفس

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ​: أول عطاء يكون لنفسك بأن تزكيها و تصلحها ثم أقرب الناس إليك

يقول الله تعالى في سورة الاعلى قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ أي من طهر نفسه من الأخلاق السيئة تفسير السعدي

إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه
سلمان الفارسي

يجب أن نعطي للنفس أولا حقها في التزكية بتلاوة القرآن و العبادات و طلب العلم. من لم يعطي لنفسه فقد ظلمها فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (التغابن 16)
لا تجب الزكاة من المال إلا إذا بلغ النصاب كذالك العطاء في كل الامور لن تستطيع القيام به إلا إذا أخذت نفسك نصيبها من التزكية

أولويات العطاء

ماذا أعطى؟

أعطى المال و الجهد و النصيحة لم يحدد العطاء وجاء لفظه مطلقا، و كأن صفة العطاء موجودة عنده ليبقى باب العطاء مفتوحا و غير محدد و لكن وقع فقط تحديد الاولويات

فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى : اتَّقَى ماذا

اتقى : هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية
اتَّقَى ماذا؟ لم يخبرنا الله سبحانه و تعالي ما نتقي جاء الامر هنا أيضا مطلقا محافظا على نفس التناسق في الأية
هناك من يتقي الله لمعرفته به و حبا له و هناك من يتقي النار أي يتقي الله مخافة من النار : إن سعيكم لشتى
كلاهما في خير لكن قمة التقوى هي ان نتقي الله سبحانه و تعالى و ذالك لمعرفته به و حبا له

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى

ما هي الحسنى

قيل الحسنى هي لا إله إلا الله و فسرت ايضا بالجنة
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26

صَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي صدق بلا إله إلا الله التي هي مدخل ومفتاح الجنة

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى

لم يقل فسوف الفاء ربطت الشرط بالجواب للدلالة على الامر القريب
من يصدق بلا إله إلا الله ييسر الله له اموره

فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى : لماذا جاء ذكر العمل قبل العقيدة

في الأصل من يصدق بلا إلاه إلا الله يتق الله و يتصدق فالعقيدة تسبق الاعمال. سبّق العمل اللذي في الاصل يكون نتيجة
جاء الترتيب هنا معكوسا لتبيين قيمة العطاء كما أن الٱية السابقة إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى تتناسب مع فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى: فالسعي عمل و العطاء عمل.
فجاء ترتيب الايات مقرّبا السعي للعمل: لا يكفي أن تصدق بالحسنى علينا ان نبين ذالك عمليا بالعطاء و التقوى

وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى

أمّا من بخل على نفسه اولا ثمّ على غيره : من يبخل يبخل على نفسه و من يعطي يعطي لنفسه

هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (محمد 38)

وَاسْتَغْنَى : إستغنى بذريته و قبيلته ونسبه
وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنَى : أي كذب بلا إلاه إلا الله او كذب بالجنة
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى : أي يتيسر له الحرام و الحلال يصبح عسيرا

Leave a comment