تدارس سورة الإنشقاق

تدارس سورة الإنشقاق

وبما كنتم تدرسون

هذا المقال هو ملخص لمجلس تدارس عن بعد لمجموعة في ظلال القرٱن تحت إشراف الاخت هدى الخليفي.
مدارس التدارس أنشئت فترة الحجر الصحي إيواءا الى رحمة الله
مداخلات الحاضرات هي التي اضافت المجلس اشراقات وأفكار من وليدة اللحظة وكانت نتيجة تثوير الاذهان بعضنا ببعض وتلاقح الأفكار فأينعت وأثمرت أنوارا وأسرارا لم تكتب في مجلدات العلمآء ولا حتى في الآثار

تدارس الفقرة الاولى من سورة الإنشقاق

إِذَا اَ۬لسَّمَآءُ اُ۪نشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا اَ۬لْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْۖ (5) يَٰأَيُّهَا اَ۬لْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَيٰ رَبِّكَ كَدْحاٗ فَمُلَٰقِيهِۖ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباٗ يَسِيراٗ (8) وَيَنقَلِبُ إِلَيٰ أَهْلِهِۦ مَسْرُوراٗۖ (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهْرِهِۦ (10) فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراٗ (11) وَيُصَلَّيٰ سَعِيراًۖ (12) إِنَّهُۥ كَانَ فِے أَهْلِهِۦ مَسْرُوراًۖ (13) إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّنْ يَّحُورَ (14) بَلَيٰۖ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيراٗۖ

سورة الإنشقاق هي سورة مكية .هذه السورة هي تكملة في معانيها لسورة الإنفطار، تجتمعان في وصف أحداث و أهوال يوم القيامة و تصف احوال الانسان في هذا اليوم

كان النبي عليه الصلاة و السلام يقرأ سورة الإنشقاق في صلاه العشاء و كان.يسجد فيها بالرغم ان السورة لا تحتوي على آية سجدة :المرجع : كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للالباني

 إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ 

إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ إذا السماء تصدعت، وتفطرت بالغمام يوم القيامة. تفسير السعدي

تنشق السماء أي يصبح فيها فتحة أي إنفطرت و فقدت تجانس مكوناتها و إبتعد كل عناصرها عن بعضه . يكون ذالك يوم القيامة كل مكون يتميز و ينفصل عن البقية : الشمس، القمر و النجوم

 وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ

أطاعت أمر ربها فيما أمرها به من الانشقاق، حق لها أن تنقاد لأمره تفسير السعدي

السماء بوسعها و عظمتها تنشق بأمر الله سبحانه . السماء الواسعة متهيئة و تنتظر إشارة من الخالق، هي على أتم الإستعداد للإستجابة لامر ربها بكل طواعية غير مكرهة على ذلك

إستمعت لأمره، وألقت سمعها، وأصاخت لخطابه، وحق لها ذلك، فإنها مسخرة مدبرة تحت مسخر ملك عظيم، لا يعصى أمره، ولا يخالف حكمه. تفسير السعدي

وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ  

تتوسع بإزالة الجبال و الهضاب و البنيان و إستواء سطحها. وهذا التوسع تتهىء به لتكون أرض المحشر تتسع لإستعاب الناس على كثرتهم

 وقال النبي ﷺ

تُمدُّ الأرضُ يومَ القيامةِ مدَّ الأديمِ لعظمةِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ ، فلا يكونُ لرجلٍ من بني آدمَ فيه إلَّا موضعُ قدمَيْه 

وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت

أَلْقَتْ مَا فِيهَا من الأموات والكنوز‏.‏وَتَخَلَّت‏ منهم، فإنه ينفخ في الصور، فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، وتخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالأسطوان العظيم، يشاهده الخلق، ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون.

تفسير السعدي

و كأن الأرض تتخلى على كل ماكانت تحتويه و كأنها أم تلد ما كان في رحمها من كنوز حتى يشاهده الخلق : كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة تفسير القرطبي

يتحسر الناس عند رؤية كل ما كانوا يتنافسون و يتقاتون من أجله في الحياة الدنيا. الأرض ترمي به امامهم و لكن لا أحد يود أخذه في ذالك الموقف الرهيب. لأنهم إستيقنوا بأنه لا ينفعهم وبأنهم أضاعوا الكنز الحقيقي و هو الحسنات

 وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ  

كما إستجابت السماء، تستجيب الارض أيضا إلى لأمر ربها بدون إكراه و تمتثل له بطواعية تامة. ونحن المخلوقون من ماء مهين، نجادل أوامر ربنا و نختار بينها و فينا من يرفضها أصلا

يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه

ما المقصود بالإنسان؟ المؤمن أو الكافر؟ : المقصود هنا الإثنين المؤمن و الكافر كل الناس ستحاسب. هو أيضا نداء للإنسان الغافل. إن كدحت فيما يرضي الله فستتلقى كتابك بيمينك و إن كدحت فيما لا يرضي الله فستتقاه وراء ظهرك. كل سيحصد ما كدح له في طيلة حياته.
كدحا: تفيد الشدة و القوة : فالمؤمن سيكدح للأخرة بكل قوته و يعمل بجوارحه والكافر يكدح بقوة لدنيا فانية

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا* وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا

بدأ الله سبحانه بذكر حساب اهل الإحسان

سمعت عائشة رضي اللَّه عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته
اللَّهم حاسبني حساباً يسيراً، فلما انصرف قالت: قلت يا رسول اللَّه: ما الحساب اليسير؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك

حسب تفسير السعدي سيجعلنا آلله سبحانه نقر بكل اعمالنا فييأس الإنسان من النجاة فيتفاجئ بستر الله لهذه الذنوب. وينقلب إلى أهله مسرورا: ما أجمل اللقاء في الجنة بعد الفوز و النجاة من العذاب

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ

هنالك عديد التفاسير لهذه الٱية
كان يعمل اعمالا لا ترضي الله البصير العليم و يخفيها فيئنى كتابه بنفس هذه الطريقة من وراء ظهره-
كما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم في الدنيا ستلقونه في الاخرة من وراء ظهورهم تحقيرا و إهانة لهم-
في تفسير ٱخر اليد اليمنى تغل فلا تستطيعون مسكه إلا بالشمال

‏فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا‏

من الخزي والفضيحة، وما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها ولم يتب منها تفسير السعدي

كلمة ثبورا هي كلمة عربية قديمة أي سيتمنى الموت لنفسه و يدعوا على نفسه بالهلاك

 إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا

لا تخطر الاخرة على بال الغافل، يقضي حياته فرحا بما عنده، فارغ البال من يوم البعث

الفرح و المسرٌة مباحان لنا في هذه الحياة و لكن بقدر لكي لا ننغمس فيهما و يقسى قلبنا عن ذكر الله

الوصايا العملية للفقرة الاولى لسورة الإنشقاق

أن نمتثل لأمر خالقنا كإمتثال السماء و الأرض لاوامر خالقها
أن اكدح في طاعة الله ومرضاته و في العمل الصالح و في كل ما ينجيني من العذاب
أن اكدح لاكون ممن يحاسبون حسابا يسيرا
أن نسعى للسرور الدائم في الجنة و لا نغتر بسرور دنيا فانية

تدارس الفقرة الثانية من سورة الإنشقاق

فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ

يقسم الله سبحانه و تعالى بثلاثة ٱيات عظيمة

القسم

تفسير السعدي
هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليلفَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ
أي: احتوى عليه من حيوانات وغيرهاوَاليْلِ وَمَا وَسَقَ
 امتلأ نورًا بإبدار وَالْقَمَرِ إِذَا اَ۪تَّسَقَ

جواب القسم

 لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ

ماهي علاقة جواب القسم بالقسم ؟

ظهور الشفق يتلوه دخول الليل ثم يجهر القمر بنوره إن كانت ليلة مقمرة : فهذه المراحل الثلاثة متتالية و لا يفصل بينها سوى زمن قصير جدا

هذه المراحل ترمز إلى مراحل حياة الإنسان القصيرة. ستتوالى طباقات حياتنا بنفس هذه السرعة وتمر كما يمر الشفق إلى إكتمال القمر في اليل

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ

بل الذين كفروا يكذبون محمدا – صلى الله عليه وسلم – وما جاء به

تفسير القرطبي

وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ

وإذا قُرئ عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون

تفسير الطبري

فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

أَيْ فَمَاذَا يَمْنَعهُمْ مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْيَوْم الْآخِر

تفسير ابن كثي

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ

والله أعلم بما تُوعيه صدور هؤلاء المشركين من التكذيب بكتاب الله ورسوله تفسير الطبري

إِلَّا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونِۢۖ

لماذا حذفت الفاء السببية و لم يقل الله سبحانه فلهم أجرهم ؟

الفاء السببية تعود للسبب : سبب الاعمال
وكما رأينا في أول السورة أن الله سبحانه و تعالى سيحاسب المؤمنين حسابا يسيرا فحذفت الفاء السببية للدلالة على أن الله غفر لهم الأسباب و هي ذنوبهم و سترها عليهم

حمد الله و نعظمه
نقوي إيماننا بتلاوة القرٱن و الاذكار و مجالس التدبر و التدارس
نكثر من السجود (النوافل و سجود التلاوة) و نعزز صلاتنا بالخشوع
نطهر صدورنا من الغل و الحسد
أن أخضع و أسجد لله شاكرة على نعمة الإيمان عملا بما جاء في القرٱن

الوصيا المستخرجة حسب أيات السورة

الوصايا العملية المستخرجةالآية

أن نستحضر اهوال يوم القيامة من انشقاق السماء
أن أجتهد في طاعة ربي و أمتثل لأوامره كإمتثال السماء والأرض لأمر خالقها
إِذَا اَ۬لسَّمَآءُ اُ۪نشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
وَإِذَا اَ۬لْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْۖ
أن اكدح في طاعة الله ومرضاته و في العمل الصالح و في كل ما ينجيني من العذاب
أن اكدح لاكون ممن يحاسبون حسابا يسيرا
يَٰأَيُّهَا اَ۬لْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَيٰ رَبِّكَ كَدْحاٗ فَمُلَٰقِيهِۖ
أن نتيمن في كل أمورنا
أن نحاسب انفسنا في الدنيا قبل يوم الحساب
أن نسعى للسرور الدائم في الجنة و لا نغتر بسرور دنيا فانية
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباٗ يَسِيراٗ * وَيَنقَلِبُ إِلَيٰ أَهْلِهِۦ مَسْرُوراٗۖ
أن أستغفر الله من ذنوبي و أستحضر حال أهل العاصي يوم القيامةأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهْرِهِۦ * فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراٗ * وَيُصَلَّيٰ سَعِيراًۖ
ان نديم التفكر في مراقبة البصير لأعمالنا الظاهرة الباطنة و لا ننغمس في سرور الحياة الدنياإِنَّهُۥ كَانَ فِے أَهْلِهِۦ مَسْرُوراًۖ * إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّنْ يَّحُورَ * بَلَيٰۖ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيراٗۖ
أن نتفكر في الٱيات الكونية فأعظم خالقها و أتذكر خضوعها
أن تستغل كل مراحل حياتنا في طاعة الله
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاليْلِ وَمَا وَسَقَ*وَالْقَمَرِ إِذَا اَ۪تَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٖۖ
أن نقوي إيماننا بتلاوة القرٱن و الاذكار التي تلين القلب و مجالس التدبر و التدارسفَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
أن أستمع للقرٱن إستماع الإجابة و الطاعة
أن أعظم صلاتي و أحسنها ظاهرا و باطنا لأنها تمثل لقاءنا الصغير مع الله قبل لقاء الٱخرة
أن نكثر من السجود (النوافل و سجود التلاوة) و نعزز صلاتنا بالخشوع
قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود
وَإِذَا قُرِۓَ عَلَيْهِمُ اُ۬لْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَۖ
أن أستحظر مراقبة الله في اعماليبَلِ اِ۬لذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَۖ
أعوذ بالله من عذاب جهنمفَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍۖ
اللهم إجعلنا منهمإِلَّا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونِۢۖ

1 Comment

  • حنان دعدوشة
    Posted 15 يناير 2021 10h23

    ماشاء الله على المجهود

Leave a comment